سلسلة القصص الواقعية في تحدي المستحيل-الموسوعة التايلندية المتحركة(7)
مسيرة تحدي المستحيل وصلت لآخر خطوة من خطواتها ضمن قرار أخذه بطل قصتنا لينهي مرحلة العذاب، وكان آخر ما كان. .. ..
استقرت الأمور بشكل آمن للجميع في السجن, آمن مقارنة بما مضى حيث كان يمارس أي شيء وكل شىء, نقصت الجرائم بين العصابات فيما بينها, ونقصت بحدة من طرف الإدارة ضد السجناء, ولكنها لم تنعدم نهائيا.
كانت فرصة لعبدالله من أجل معرفة المسافة التي بقيت والتي يتوجب عليه قطعها للتخلص نهائيا من هذا السجن البعيد عنه كليا مسافة ولغة وحضارة, رغم المامه الكبير بكل الخفايا, الـ25 سنة التي يلزمه قضاؤها خلف القضبان اصبحت بالفعل كبيرة ومملة ومقلقة لأبعد حدود القلق, وكان لا بد من محاولة تحطيمها, والتجربة اثبتت له أن المحاولة هي الأساس, المحاولة هي التي تولد النجاح والثقة في الخطة هي اساس نجاحها لأنك إذا لم تؤمن بصلابة خطتك فانت أقررت بفشلها حتى قبل أن تبدا,كانت الأمور واضحة لديه حول اسرته بتونس, وواضحة لديه حول كل ما يهم السجن ونزلائه والمصالح التي تحكم جميع من فيه, ثقافته اللغوية والفكرية اللامحدودة أهلته ليعرف كل مسارب عصابات التهريب, تهريب المخدرات والسلع و… حتى الأشخاص, عند هذه النقطة وقف طويلا, ليتأكد أن عليه القيام بالخطوة التي جاء وقتها,الخطوة التي أجلها كثيرا والتي لم تتوفر ظروف تحقيقها وبالدقة التي يريدها الا الان، ولا يمكن أن يقوم بأي عمل طائش غير محسوب بعد كل هذا الوقت الذي قضاه واقفا وصلبا أمام الطوفان أمام أعتى الأعاصير الشيطانية التي قابلته، كانت هذه الخطوة أو الخطة الجديدة ….. خطة الفرار من السجن
نعم لقد قلق بما فيه الكفاية, ويجب أن يقطع هذا القلق بسيف بتار لا يترك اثرا, وكما تعود دائما لابد من دراسة الأمر كما يجب ودون ترك أي مجال للصدفة أو للحظ، وبدأ في العمل.
في ذلك الوقت كانت علاقاته المتشعبة مع الجميع في أقصى درجات نموها المطرد ولا بد من استغلال ذلك, كان معه في السجن وممن يثق بهم من رؤساء العصابات وغيرهم من الرجال الطيبين ما يكفي ليبني خطة الفرار بشكل محسوم لا يمكن أن تترك اثرا, أول شيء فعله أن قام بتأمين ماله الموجود بالبنك بتحويله الى أحد أفراد اسرته بأروبا وبالطبع كان كل ذلك يتم بالإتفاق مع اطراف خارج السجن تنفذ كل شيء و أي شيء وفق مبدا تجاري معروف, ثم اتفق مع العديد من الأطراف الأخرى في الداخل لتأمين خروجه من السجن و من البلد بأسرها, وكل طرف بالسجن له علاقات واسعة بالخارج مما جعل خطة عبدالله للفرار تبرمج بكل يسر مقارنة بما يمكن أن يشاهده سجين عادي يحاول الفرار,فمن المستحيل وفق ما هو موجود لأي سجين آخر محاولة الخروج, مجرد المحاولة كانت ترصد وتفشل من البداية, فإدارة السجن لا تلعب ولها أعوان سريون في قلب اللعبة الداخلية للسجن تجعل الأنفاس بالميزان في كل حركة, الا عبدالله والبعض من الرؤوس الكبيرة فقد كانت اللعبة مكشوفة لهم من البداية, ووضع عبدالله خطته وكانت محكمة لدرجة أنها تمسح أي اثر له كسجين في هذا السجن الرهيب, بمعنى أن تمحى كليا بصماته وكانه لم ينزل يوما بالسجن وهذا جاء نتيجة معارفه العديدة بالرؤوس العملاقة التي تحكم الجميع في السجن وخارجه, وحدد الوقت للتنفيذ ليذوب كليا كالملح ليس من السجن فقط ولكن من كل تايلندا.
وقبل مدة قصيرة من تنفيذ الخطة جاء ما قلب كل شيء وجعله يلغي خطته من الأساس, ماذا وقع؟ ما الذي جرى؟ ببساطة جاء عفو جديد على عبدالله باسقاط باقي المدة شكرا له على ما قام به في السجن ودوره الفعال في كل ما فعله لحل مشاكل السجناء و اعانة الإدارة بأكثر من المطلوب منه.
يا إلهي, يا رب, أخيرا جاء الفرج من الله وحده، ومن يدري فقد كان يمكن أن يتدخل القدر ليلغي الخطة في آخر لحظة بتغير ظرف بسيط واحد من ظروف التنفيذ يلغي خطة فراره
وخرج عبدالله من السجن بعد ثماني سنوات, كانت كلها حربا طاحنة في تحدي المستحيل, خرج منها كتجربة إنسانية مثيرة خلفت له ثروة مالية هامة وثروة فكرية وحضارية عملاقة أهمها حذقه لتسع لغات أجنبية قراءة وكتابة واصدقاء تركهم وراءه خلف قضبان ابشع سجن في العالم.
ولم تمض اشهرا الا وأصدر تجربته المثيرة في كتاب باللغة الفرنسية طبع في قلب باريس وكانت تجربة لا يمكن إدراك مدى تاثيرها عليه وعلى مثله من الشباب العربي المسلم في تعامله مع ذاته و مع الغير كذلك، وللأسف لم أتمكن من الحصول على نسخة من الكتاب وعزائي أني قرأت الحوار معه و مع شخص آخر سجن معه في السجن التايلندي الشهير وقرأت حوارا آخر أجرته الصحيفة مع أخته التي كان لها دورا هاما في مجرى القصة.
أخيرا, اعترف أني أحببت هذه القصة من الأعماق وأبكتني بشدة عندما قرأتها منذ سنوات وكادت تبكيني كذلك عند إعادة كتابتها فهي ليست شريطا سينمائيا أو رواية أدبية ولكنها وقعت لواحد منا, شاب عربي مسلم ضعيف البنية وضعيف التجربة يجد نفسه في مكان قبيح لدرجة لا توصف, ومن محبتي الكبيرة لهذه التجربة بقيت أتذكرها طيلة هذه السنوات.
وقد تعبت كثيرا في تحريرها لكثرة تشعباتها ومسالكها وأعرف واعترف أن العشرات والمئات من جزئياتها قد ضاعت من ذاكرتي ولكني حاولت قدر الإمكان أن أتذكر أهم ما فيها.
وقد يكون حبي لعبدالله وتجربته هو السبب الرئيسي والأساسي في كتابة قصته بهذا الحب الكبير والتعاطف المحايد كذلك.
عندما شاهدت صورته الحقيقية في الصحيفة أدركت فعلا أن الشكل العام قد يوهم بعكس الحقيقة, فقد كان ضعيف البنية فعلا وأحسست من خلال ملامحه بحب كبير لإنسان لا أعرفه عن قرب,
أحببت صموده وتحديه, أحببت عدم انتكاسه امام العاصفة والطوفان المنهمر,لو شاهدت القصة في شريط سينمائي لقلت كم يبالغون ويكذبون ويهولون الامور.
ولكن يبقى الواقع فعلا أقوى من كل الروايات, وسيبقى لعبدالله شيئا مهما وعزيزا في وقتنا و هو أنه
عاش رجلا … و خرج رجلا … و هذا يكفي
تحياتي لكم و دمتم سالمين
******************
القصة كاملة
رائــــــــــــــــــــــــعة
راااااااااااااائع جدا جدا
راااائعة جدااااااااااااااااااااااااااا
في انتضار المزيد من القصص الجميلة في التحدي