سلسلة القصص الواقعية في تحدي المستحيل-الموسوعة التايلندية المتحركة(4)
مازلنا مع عبدالله في قصته المثيرة في تحدي المستحيل، تحديات جديدة ونوعية نتابعها معه ضمن هذا الفصل الجديد …. .. .. ..
أهم شيء في حياة عبدالله هو الحفاظ على راسه سليما في هذا المستنقع, لأنه لو سقط لن يأخذ من الوقت أكثر من نصف ساعة بين حمله ودفنه خارج السجن, لا يبتعد الأمر في ظل عرف السجن المعروف للجميع عن قتل بعوضة صغيرة في المنزل وكنسها خارجا بعد ذلك, وعبدالله أدرك ذلك جيدا, لذلك كان أكبر اهتمام لديه هو كسب صداقة الجميع, من مدير السجن الى أدنى لص في العنابر, ولكن كيف سيكسب ود وحب هؤلاء وكيف سيكسب ماليا خلال مدة بقائه في هذا المنفى.
كما عرفنا سابقا كان السجن يضم العديد من رؤساء العصابات الخطيرة, والعشرات من التابعين, ومن جنسيات العالم المختلفة, وكلهم يعانون مما عاناه عبدالله في بدايته, معاناة اللغة والقدرة على التعامل مع العالم الخارجي, وكان السجن هو المقر الأساسي لكل هذه العصابات لإدارة أعمالها في الخارج, كان السجن هو الإدارة لكل عصابة و التنفيذ يتم خارجا أو داخل السجن كذلك كما عرف عبدالله بعد ذلك, كان السجن منبع كل الصفقات التي تتم بين العصابات في ما بينها أو مع أطراف خارجية سواء كانت في تايلندا أو خارج تايلندا, أدرك عبدالله بذكائه أن وقود بقائه يتمثل في فهم لعبة المصالح هذه التي تحكم كل الأطراف, كان العالم باسره متجسدا في هذا السجن العملاق, كل الأديان والأطياف العرقية موجودة ضمن هذا العالم المصغر, كانت تجربة انسانية فريدة ولا تتوفر دائما بل تكاد تكون نادرة التوفر, لذلك كان لزاما عليه دخول المرحلة الثانية من مراحل تحدي المستحيل, وهذا المستحيل يتمثل في جعل كل من في السجن بادارته و سجانيه ومسجونيه يدور في فلكه ويجعلهم محتاجين اليه, كلهم على حد السواء, مما يجعل الحفاظ على حياته أمرا يسيرا وتحويل الحفاظ على هذه الحياة أمرا منوطا بغيره من رؤساء العصابات المختلفة والمتناحرة, كيف ذلك؟ وماذا سيفعل بالضبط؟
أحس عبدالله خلال المدة التي قضاها أن عائق اللغة بقي حاجزا أمام الإدارة لتنسيق الأمور كما يجب في السجن, وأمام السجناء في ضبط أمورهم مع الإدارة ومع الخارج, وامام رؤساء المصالح داخل السجن وخصوصا الأجانب منهم في تصريف تجارتهم كما ينبغي, لذلك حدد ابرز المحتاجين له وحدد لغاتهم وبدأ أولى الخطوات في تعلم 5 لغات أجنبية دفعة واحدة متسلحا بعزيمة فولاذية لا تكل و لا تمل, ليلا و نهارا, مقتنصا كل فرصة مهما كانت صغيرة ومهما كان الطرف المقابل تافها, المهم أن لا يخرج فارغا من أي لقاء مهما كان, حتى ولو كان كلمة جديدة واحدة, و استمرت هذه الرحلة بشكل ناجح لا يتخيل وساعدته معرفته التي اصبحت وثيقة بالحراس في توفير المواد الدراسية التي يحتاجها من مكتوبة وصوتية مع توفر الجو التطبيقي مع سجناء كل لغة، ومع تواصل الطريق بدأ يلفت الأبصار اليه من كل الأطراف, رؤساء ومرؤوسين , هذا الشاب العربي المسلم الذي بالكاد يحسب في ما مضى قلب كل المعطيات بالعزيمة التي لا يمكن تصور حجمها, وبعقلية لا تؤمن بالمستحيل, وبدأت ثمار مجهوده تتوضح رويدا رويدا, والكثير من نزلاء السجن ممن يعرفه قدروا له الجنون الأكيد بعد بعض الوقت لأن المجهود الذي يبذله كان فوق طاقة البشر العادي, وأقرب المقربين له كان يسأله باستمرار: يا عبدالله, أنت محكوم بـ 50 سنة, فلماذا تفعل كل هذا؟ لماذا تناضل من أجل شيء من المستحيل بلوغه وحتى لو بلغته, ماذا ستجني؟ أنت دخلت السجن و في دماغك أربع لغات هي العربية والفرنسية والأنقليزية والإيطالية فلماذا الخمس لغات الجديدة, فلا يستطيع الرد عليه الا بشيئين الأول أن ذلك لتمضية الفراغ القاتل وثانيا سوف تدرك هدفي لو أحياني وأحياك الله.
بدا عبدالله يحرر الرسائل للمساجين الذين لا يعرفون الكتابة والقراءة الى ذويهم عبر مناطق العالم المختلفة, ويحرر مطالب العفو الملكي لمن يريد من المساجين ويحرر كل مراسلات رؤساء العصابات الى اتباعهم في الخارج بلغات غير التايلندية خوفا من اكتشافها من طرف ادارة السجن ويحرر كل المراسلات التي تتم بين كل الأطراف سواء كانت تجارية أو شخصية, ووصل الأمر الى تحرير طلبات الترقية أو النقلة للحراس وكل ذلك بثمنه وفق القدرة و المكانة و أهمية المراسلة, وزاد نجاحه لأنه كان صندوقا مغلقا, فما وصل دماغه يفجر السجن على الجميع لو تكلم و لكن المصلحة حتمت أن يكون أمين سر الجميع, وتسعيرته تنطلق من المجانية للرؤوس الكبيرة و مفتشي السجن الى الـ 10 أو 20 دولار للخدمة الواحدة لباقي الحرفاء.
أصبح عبدالله السجين الظاهرة في السجن, أصبح السجين الوحيد المعروف بالإسم لدى كل نزلاء السجن و الإدارة, و مع تطور قدرته في الإلمام باللغات المختلفة تتطور مداخيله, وأصبح مع الوقت أهم شخصية نزلت في عنابر أقبح سجن تايلندي على الإطلاق.
لفت عبدالله الأنظار اليه من الحراس و كثر الحديث حوله وعليه في كواليس الإدارة ووصل أمره الى آذان المسؤولين الكبار بالسجن, وبدأت تعد شيئا فشيئا مفاجأة جديدة لعبدالله تصعد به الى سلم عالي فوق الجميع, أدركت إدارة السجن أنها أمام ظاهرة جديدة لم تشهدها من قبل, ظاهرة شاب صغير السن, ومن أقصى شمال إفريقيا, ومن تونس هذه الدولة الصغيرة التي يجهلون عنها كل شيء,و محبوب من الجميع, يتكلم ويكتب وبطلاقة تامة 9 لغات, لماذا لا تستغل الأمر ويكون أحسن وسيلة للتفاهم بين الإدارة و بين المساجين الأجانب, فكل مشاكل السجن نتجت من عدم التفاهم اللغوي خصوصا, وقد كان ذلك, ووفق ما قدر عبدالله من البداية وأصبح سفير الإدارة لدى السجناء وسفير دولة المساجين لدى الإدارة.
هذه الوضعية الجديدة كيف تمت وما هي آلياتها وما تاثيرها على بطل قصتنا والمغنم الذي كسبه
و كيف أنها كانت سببا في في منعرجات أخرى مشوقة ورائعة وخطيرة أيضا.
كل ذلك تطالعونه في الفصل القادم ان شاء الله تعالى
******************
القصة كاملة
شوقتنا كثيرا بهذه القصة، ونتطلع للنهاية بشغف
قصة مثيرة جعلتني أغوص في أعماقها وكأنني أعيش أحداثها
فهي تحمل من العبر الكثير.. كما أن طريقة سردها رائعة وراقتني كثيرا
لتوي آنتهيت من قراءة الأجزاء الأربعة كاملة وأتطلع للبقية بشوق وشغف كبيرين
شكرا لك.. ولا حرمنا الله منك
في آنتظار التتمة قريبا إن شاء الله
فلا تشوقنا كثيرا ^_^
لك مني أطيب وأرق تحية..
انا ايضا لتوي آنتهيت من قراءة الأجزاء الأربعة كاملة
لم اشعر بالحماس لقرائتها من البدايه لكن قرئت بدايه هذا الجرء وعجبني جو السجن
ورجعت للبدايه وقرائتها كلها كل جزء احلا من الي قلبه