وصايا الفشل المر (1)
الحياة تمر سريعا دون أن نشعر، هذا من تحصيل الحاصل للجميع، مررنا جميعا بتجارب قد تكون غنية جدا بنتائجها ومردودها، وقد تكون فاشلة كليا، كل منا، ومهما كان موقعه او عمره يحس أن الكثير ينقصه، الكثير جدا للاسف، يريد ان يتم الكثير من الاعمال او الاهداف والحياة لا تمكنه من ذلك، او لم تعطه الامكانيات ليفعل او ليحقق كل ما كان يهدف اليه.
نحن لم نؤسس لكبرنا للاسف ولذلك حالما يتقاعد الفرد منا يصبح كالصخرة المرمية على جانب الطريق، دون عمل او هدف، الحياة وقتها تقف عند الثلاثي الذي لابد منه: الخروج من المنزل والذهاب الى المسجد ثم الى المقهى حيث يجتمع مع الشيوخ المتقاعدين، وفي قريتي يكون الجلوس تحت اي حائط يصلح للجلوس المريح تحته مع جملة من شيوخ آخرين او مع كهول وجدوا في هذا الحائط راحة اغنتهم عن الابصار بعيدا ليبصروا من يروح ويجيء من بقية خلق الله، في قريتي ، قمة اهداف الواحد منا غراسة اكبر عدد ممكن من النخيل وجمع ما جادت به من مال ليضاعف غراسة نخيل آخر وهكذا كالنملة لا يهدأ ويقترف احيانا غلطة لا اعرف كيف حصلت وهي القيام بفريضة الحج وعند عودته يعود اكثر اصرارا للغوص في كثبان الرمل ليغرس اكثر ما يمكن من نخيل اصبحت العناية به تصعب عاما بعد عام، وعندما يتعب الجسم والعقل، وعندما تخور الصحة يرمى نفسه وبمحض ارادته مجبرا من شيخوخة لم يتصورها داخل ركن في بيته حتى نحمله يوما على الاكتاف ليكون هناك حيث لا رجوع، والجيل الذي يخلف الجيل السابق سوف يركب نفس الاسطوانة ليعيد سيرورة الملل والاهداف البديهية والبسيطة وغير المبدعة التي جعلت حياتنا مملة وتعيسة وخالية كليا من اي رغبة حقيقية في التحدي او النجاح المغاير.، عقدنا جعلتنا عبيدا لعاداتنا فبالكاد تجد من يمكن ان يثور على عادة قديمة او بلوى من البلاوي، نتبع بعضنا كالروبوهات، نفعل نفس الافعال ونعيد نفس الجمل، نصلي في نفس المسجد، وفي نفس الصف في الاغلب ونختار جهة محددة لسنوات، نكره التجديد مهما كان ونحن ونعشق الصمت المطبق واعيش دائما وخصوصا في الصيف النقاشات الحادة حول ضجيج حفلات الزفاف بقريتنا وكانهم لم يكفيهم 9 او 10 شهور في صمت كصمت القبور وعندما يقلقهم الضجيج الساحق في ليلة ينبري عدد كبير لنقد الظاهرة بدعوى ان هنالك رضيع يبكي او مريض يئن والغريب المضحك اني انا نفسي كاتب هذا الكلام اصبح مزمجرا ناقما على من سبب هذا الضجيج وهذا لاني انا نفسي اوجد في قلب اسطوانة العقد التي تكبلنا ، الفراشات والازهار لا تعنينا بتاتا امام قطعة لحم كبيرة في الصحن حتى ولو كانت هذه القطعة توفرت في ايام عيد الاضحى ، اسرنا وشوارعنا وطبيعتنا حولتنا لآلات استهلاكية تعشق الاكل النهم دون احساس بالجمال مهما كان، فللجمال عنوانان محددان سلفا ولو وجد عنوانا ثالثا فهو الشاذ الذي لا يحفظ للاسف ولكن يحارب بقوة وضراوة حتى يمسح مسحا.