سلسلة القصص الواقعية في تحدي المستحيل-الموسوعة التايلندية المتحركة(5)
القصة الفريدة والغريبة مازالت متواصلة مع عزيمة لا تكل ولا تمل، أطوار جديدة مشوقة تطالعها في هذا الفصل الجديد .. .. .. ..
عرفنا في نهاية الفصل الرابع كيف تمكن عبدالله من أن يكون رقما صعبا في المعاملات داخل السجن, وأصبح وجوده سليما مطلوبا من الجميع, والكثير من رجال الأعمال الأجانب المسجونين عاد لإدارة أعماله من خلال عبدالله, والكثير من رجال العصابات الأقوياء أعاد ترتيب أمور مجموعته بفضل عبدالله, والكثير من الحراس تمكن من تحريك ملف ترقيته النائم منذ سنوات بفضله, كانت هذه الصورة قبل أن تتطور الى الأعلى.
في صباح أحد الأيام وقع استدعاء عبدالله لمقابلة مسؤول إداري, وعندما أدخل المكتب وجد مجموعة من المسؤولين الكبار وليس مسؤولا واحدا فقط, وبعد عديد المقدمات الضرورية عرضوا عليه تنفيذ فكرة جديدة في السجن وتطبق لأول مرة على مستوى كل تايلندا, وهو أن يصبح سفيرا مزدوجا بين الإدارة و المساجين, يبلغ المساجين الأجانب خصوصا طلبات الإدارة ويبلغ الإدارة شكاوي السجناء مع العمل على حل المشاكل العالقة, وكانت الفرصة الذهبية التي ينتظرها, فلم يضيعها, وافقهم على طلبهم واسند له هذا المنصب الذي أسند لعبدالله لأول وآخر مرة في العالم, وأصبح له زيا خاصا يميزة عن الجميع, وشارة تفتح له كل الأبواب, ووضعت له زنزانة خاصة بها كل ما يحتاج اليه, وأهم ما في المنصب الجديد أنه يتمتع ببعض الحرية, أو هي الحرية كاملة إذا قورنت بما مضى, بحكم اتصال عبدالله الدائم بالإدارة أصبح له الحق في الخروج والوصول الى أي ركن في السجن والجلوس في الهواء الطلق خارجا على أن لا يتجاوز السور الخارجي بالطبع.
و تميز عبدالله بروح مرحة وقدرة عجيبة على حل المشاكل التي تحدث بين السجناء في ما بينهم أو بينهم و الإدارة، وخروجه الحر بين الإدارة و العنابر زاد في تطور معاملاته لأنه أصبح قادرا أكثرا على الإتصال بأفراد آخرين حتى من خارج السجن, وكلما زادت المدة تعلم اكثر أصول العمل الإداري المكلف به والخاص الذي يهم دخله المالي, وبدأ يكون ثروة صغيرة بدأت تكبر رويدا رويدا حتى تجاوزت الثلاثين ألف دولار خلال هذه المدة, وبنى علاقات صداقة قوية جدا مع عديد الأطراف في الخارج أمنت له خروج ماله من السجن وإيداعه في أحد البنوك الكبيرة, كانت هذه المرحلة من أقوى المراحل التي قضاها في السجن مهنيا وماليا, وتطورت علاقاته مع السلك الإداري للسجن و تشعبت حتى أصبح يساعد ماليا بعض المحتاجين من الحراس و الموظفين وهذا جعل له مكانة لم يصلها أحد من قبل و كان من نتيجة ذلك أن تعاطف معه الجميع و ساعده الجميع وبدؤوا يعملون جاهدين للتخفيف من معاناته كسجين, وقدم له المسؤولون عن السجن كل من جانبه ما يحتاج اليه من دعم أدبي و ذلك بمدح سلوكه السوي وصلاحه وأنه أصبح بعيدا عن عالم الإجرام و كل ذلك من خلال تقاريرهم التي توجه دوريا إلى أعلى المستويات في البلاد, وكان من نتيجة ذلك مفاجأة جديدة لعبدالله أتت في وقت ليس بالطويل ..
في أحد الأيام, قدم عبدالله من السجن ودخل الإدارة و ما راعه الا وأحد المسؤولين يأتيه مستبشرا وبدون مقدمات قال له: يا عبدالله … لقد خفضت لك المدة الى 25 سنة سجنا فقط, لم يمض وقت طويل حتى سرى الأمر في كل الإدارة و هنأه من هنأه مواساة لأن الـ 25 سنة ليست قصيرة على أية حال, أما عبدالله فزاد إيمانه بأن الفرج آت لا محالة وليس عليه سوى الصبر, الحمد لله من 100 سنة, قرن من الزمان, الى ربع قرن, لا بأس لنبدأ النضال من جديد.
كانت الأوضاع سيئة جدا لدرجة لا توصف, وهي بطبعها سيئة, صحيح أن عبدالله أصبح محظوظا نوعا ما ولكن مهما يكن فهنالك أناس يسحقون يوميا بالداخل, ومن ضمنهم بعض العرب الذين وجدوا أنفسهم ولظروف مختلفة من زوار هذا السجن الرهيب, ومن غرائب الصدف أن يتعرف وبعد مدة طويلة على سجين من وطنه الأم تونس, يا إلهي … كم الدنيا صغيرة, ماذا حدى بهذا التونسي الثاني الذي رمت به الأقدار من أقصى شمال إفريقيا إلى دولة نائية في جنوب شرقي آسيا, وعرف منه قصته الغريبة كذلك والتي ليس المجال لذكرها, المهم حاول عبدالله بما أمكنه مساعدة إخوانه من العرب والمسلمين الذين جاوروه, وأحس بعد مدة أنه ليس منطقيا على الإطلاق التغاضي على ما يحدث أو دفن الرأس في التراب, فما يجري في السجن كان فوق طاقة الإحتمال, كانت كل حركة ملطخة بالدماء, دماء الضعفاء وأكثرهم من الأجانب سواء من جلدته أو من غيرهم, لأن الفساد كان مستفحلا جدا ولدرجة قصوى بإدارة السجن, إذا كنت نزيلا كبيرا ماليا بالطبع فسوف تعش عيشة الملوك والأمراء أما إذا كنت فقيرا فسوف تسحق كالنملة أمام الفيلة, وعبدالله تجاوز كل هذه المآسي ولكن وبحسه العربي ومعتقداته الإسلامية لم يستطع التحمل, فأمله في الماضي كان الحفاظ على رأسه والبقاء على قيد الحياة بأي شكل كان, لكن وبحكم عمله الجديد كان يمر بمآسي يومية تحمل معاناة رهيبة لأناس ذنبهم الوحيد أنهم كانوا من نزلاء هذا السجن الرهيب, ومهما حاول معالجة المشاكل العالقة وأن يكون منصفا مع من ظلم فهنالك القانون الواقعي المعروف الذي يحكم السجن … الحق دائما مع الأقوى, وكان كلما حاول الدفاع عن مسجون ضعيف لدى الإدارة يعارض بشدة ويذكر بالنعمة التي ينعم فيها وكم من السجناء الذين أحبهم وقضى معهم عشرة طويلة طيبة يكتشف في لحظة قاسية من الزمن أنه ذهب ضحية معركة رخيصة بين بعض مجرمي العصابات والتحقيق يحفظ,ويدارى كل شيء وتتواصل الحياة عادية وكأن من مات كلب مسعور …, العديد من المساجين الطيبين من أصحابه ذهب ضحية مجرم مرتزق من أجل بعض الدولارات الرخيصة, الكثير منهم أهينت كرامته وعقدوه طيلة ما بقي له من هذه الحياة، أحس عبدالله بالتفاهة وأنه إذا واصل هكذا سيخرج من السجن إما مجنونا أو سفاحا
واختار وصمم على اختياره في أن يحافظ على عقله سليما وأن لا يكون مجرما
وكانت خطوة نفذها بعد ذلك قلبت السجن رأسا على عقب, خطوة أعادت الاعتبار لآلاف السجناء الضعفاء وكانت خطوة جديدة من تحدي المستحيل
ماهي هذه الخطوة؟ وما مدى خطورتها؟ و لماذا هي خطوة جديدة من أنبل وأعمق خطوات تحدي المستحيل؟
كل ذلك تطالعونه في الجزء القادم بإذن الله
******************
القصة كاملة
متابعة..!!
أنتظر القادم بشوق..
تحياتي.