ذكريات طفل من الارياف (4)
في صغري، لم تكن هنالك حنفيات بالمنازل، كان وسيلتنا الاساسية لجلب الماء هو الحمار، في كل منزل يتواجد على الاغلب الثلاثي الذي لا بد منه لدينا: الحمار و “الكريطة” (العربة التقليدية) و “السترنة” (citerne )، العربة لجلب العشب للحيوانات والحطب للتدفئة ولطهي الطعام، والسترنة لجلب الماء من العين، والحمار هو اهم عنصر معين لاهلنا في تلك الفترة، فهو المحرك العملاق للدورة الاقتصادية والحياتية ككل، ويكاد من المستحيل وجود بيت في القرية دون حمار، ولكن هنالك من يملك بغلا او حصانا،
قبل السترنة كنا نستعمل “النقلة” لجلب الماء، ولا اعرف هذه التسمية من اين جاءت، ويمكن أخذت الاسم من عملية نقل الماء من العين الى المنزل، توضع النقلة على بردعة الحمار ويكون هنالك فراغين من اليمين ومثلهما من اليسار، كل فراغ ندخل فيه قلة، عندما تفرغ القلال بالمنزل وتصبح الحاجة ملحة للماء، أحضر حمارنا واضع البردعة على ظهره واحكم ربطها ثم أضع النقلة ثم القلال واركب قاصدا العين، كانت العين المعتمدة للشرب وقتها هي ما نسميها “الشرشارة” وسميت هكذا لان صبيبها من الماء ليس قويا، فهي تأتي من العين القديمة، الجزء الاكبر يوجه لري الواحة ونسبة صغيرة تستعمل لري البشر من خلال انبوب صغير “يشرشر” ونملأ من خلاله قلالنا، احيانا اجد العين خالية من الناس واحيانا نكون طابورا ولكل دوره لملأ الماء، عندما املأ القلال الاربعة يعينني احد الحضور، ذكرا او انثى لوضع القلال في النقلة، ويجب هنا وضع قلة على اليمين واخرى على اليسار في نفس الوقت فلو سبق احدنا الاخر سوف تميل النقلة وتسقط القلة وتنكسر، عشرات حوادث الكسر تقع سنويا،أحيانا تتكسر القلال بعد ان يتخاصم حماران فتتداخل القلال لتتكسر ثماني قلال في لحظات، مرات كثيرة يهرب الحمار مع القلال المملوءة لتنقلب كل الحمولة في اول منعرج، تطور الحال بعدها لتخرج في قريتنا النقلة الحديدية وهي ثقيلة لدرجة استحالة ميلان جهة وسقوطها وبالتالي اصبح اصحاب هذه النوعية اكثر حرية في ملأ الماء، بعد النقلة انتشرت “السترنات” وكنت عندما انتهي من الدراسة عشية السبت اعد الحمار مع السترنة واذهب لملئها من العين، واغلب السترنات كانت من فئة 500 لتر، و250 لترا، نملؤها باستعمال سطل سعة 10 لترات، عندما يكثر عددنا قرب العين، يكون ملأ السطل بالتداول، املا سطلي وحالما آخذه لسكبه في السترنة يكون الشخص الذي يقابلني قد وضع سطله وهكذا حتى تمتلأ فاخرج السترنة ليدخل من ينتظر بعدي، كانت السترنة تكفينا لاسبوع لحد عودتي للمنزل من مبيت المعهد يوم السبت القادم، العائلات الكبيرة كانت السترنة تكفيها ليومين او ثلاثة على الاكثر بينما عائلتي كانت صغيرة فليس هنالك الا الوالد والوالدة رحمهما الله واخي الاصغر، لا الوالد ولا الوالدة ولا الاخ قادرين على ملئها ولذلك فالجميع مجبر على انتظار عودتي يوم السبت
في تلك الفترة ايضا، كان من النادر ان تجد منزلا دون بئر، فماء البئر يصلح لغسل الملابس وللبناء وللترميم وكثيرا من الاعمال الاخرى، وكانت الابار تختلف فهنالك من يكون محظوظا ويكون بئره حلوا، وهنالك من يكون مالحا لدرجة لا تطاق، كان الوالد – كحال اهل قريتي جميعا – يقوم بتبريد المشروبات الغازية في هذه البئر ، نضع القوارير في سطل وننزله رويدا رويدا حتى يغطس كليا في الماء، وعندما نحضرها للشرب تكون باردة كالثلج، وقتها لم تكن هنالك قوارير البلاستيك فكلها زجاجية سريعة التبريد